Sunday, February 24, 2013

رواية يا مريم لسنان أنطوان


تدور الرواية في يوم واحد تجتمع فيه ذكريات جيل الكبار ممن تعدوا الثمانين وتختلط في ذاكرتهم أطياف وأيام من العراق الجميل وجيل الشباب الذين ولدوا قبل غزو العراق للكويت وعاصروا هذه الحقبة من الغزو وما تلاه من أحداث حتى يومنا هذا.

بطل القصة يوسف الذي تخطى الثمانين ومها الشابة الثائرة التي لم تتجاوز الثلاثين بعد. كلاهما ينتميان لأسرة مسيحية عراقية. يوسف يرى إن ما يحدث في العراق الآن ليس بفتن طائفية بل مجرد سحابة غيوم وسوف تمر، فمازال في ذاكرته كل ما هو جميل في العراق، الأصحاب وبيت العائلة الذي بناه والحديقة التي زرع فيها النخيل الذي يعشقه وروح أخته حنة التي تملأ البيت. أما مها فليس لديها من العراق غير خال تم اختطافه وقتله وبيت تم تهديد أسرتها بالقتل فيه مرة وتم تفجيره مرة أخرى وأسرة من أربعة أفراد تعيش في غرفة واحدة تنتظر السماح لها بالهجرة إلى كندا وطفل فقدته قبل أن يولد بأقل من شهر من جراء التفجيرات وحياة زوجية شابها الاكتئاب. كلاهما يحترم الآخر إلا إن ما بمها من ألم لا يجعلها تتحمل بساطة يوسف وطيبته التي تجعله يقول دائمًا دعونا ننظر للأمور بموضوعية. فكل ما يحدث ليس بفتنة طائفية وإنما لعبة سياسة. كيف يُطلب من مها أن تنظر للأمور بموضوعية. هي تنظر للأمور من واقع تجربتها الشخصية، من حياتها وتجربتها هي.

تسرد القصة تفاصيل حياة يوسف وأسرته في الماضي وذكرياته الجميلة التي لا يريد أن يتخلى عنها. إلا أن حياة معظم أفراد أسرته انتهت بهجرتهم وتفرقهم في مختلف الدول. وتسرد كذلك الأحداث التي مرت بها مها منذ بداية القصف على بغداد مع غزو الكويت وخوفها الشديد وهي في حضن أمها من أصوات القصف داخل خندق انتهاءً بموت يوسف في حادث إرهابي داخل كنيسة النجاة بينما هي ملقاة على الأرض في حالة رعب عارم لا تعرف مصيرها المحتوم أو مصير يوسف.

تركتني هذه الرواية مع عدة تساؤلات:
·         هل فعلاً الفتن الطائفية جميعها هي في الأصل لعبة سياسة؟ أم إنها موجودة فعلاً في أعماق مجتمعنا تغذيها بعض الأطراف الجاهلة وتظهر على السطح في غياب الدولة القوية؟

·         كيف أقنع مها بأن ما يفعله الآخرين لا يمط للإسلام بصلة؟ إن هؤلاء المتطرفين والرافضين لاختلاف الآخرين لا يمثلون الإسلام والمسلمين الحقيقين مطلقًا.

·         هل يوسف مثل والداي الذين يرون أن الأمور في بلدي ليس بالعسيرة وإنها سحابة غيم وستمر؟ هل مها مثل أختي التي أصبحت في حالة اكتئاب لا تشعر بالأمل والأمان وتخشى على أبنائها في كل خطوة يخطونها خارج البيت؟ ترى هل يوسف ومها ووالداي وأختي على طرفي النقيض تمامًا وليس منهم من ينظر للأمور بشكل محايد؟ ولكن كيف أطلب منهم أن ينظروا للأمور بشكل محايد وهم يعايشون كل شيء يحدث على أرض الواقع؟ لا يحق لي أن أطلب منهم أن يتجردوا من تجربتهم الشخصية لينظروا للأمور بشكل محايد.

·         هل سيأتي اليوم علي وأكون أنا يوسف وأبناء أخوتي وأبنائي هم مها؟

 مقتبسات من الرواية:
·         هل أهرب فعلاً من الحاضر إلى ملجأ الماضي، كما اتهمتني هي؟ وما العيب في ذلك، حتى لو كان صحيحًا، إذا كان الحاضر مفخخًا ومليئًا بالانفجارات والقتل والبشاعة؟ ربما كان الماضي مثل حديقة البيت التي أحبها وأعتني بها كما لو كانت أبنتي. أهرب إليها من ضجيج الدنيا وبشاعتها. إنها فردوسي في قلب الجحيم أو "منطقة الحكم الذاتي" كما أسميها أحيانًا. سأدافع عنها لأنها، هي والبيت، آخر ما تبقى لي.

·         فكرت بصمت من تحت دموعي: أتراه تعب مني؟ لم يعد يقول الكثير، لم يعد يقول أي شيء، حين يفيض الحزن أو تنفجر أعصابي، يعانقني بصمت وهذا ما أفضله، فالصمت أرحم. سمعت دموعي وحدها تتكلم بصوت عال في ظلام الغرفة. كيف لا يتعب وقد تعبت أنا نفسي من حمل كل هذا الحزن على ظهر قلبي؟ لكنه لن يقول شيء مهما تعب، لأنه لا يريد أن يجرحني.

·         لم أكن مهتمًا كثيرًا باختلاف الطرق التي يسلكها البشر إلى الله. فالطريق بحد ذاته لم يضمن طهارة أولئك الذين يمشون عليه. هناك أخيار وأشرار يملئون الطرق كلها وهناك من يظن أن لا طريق إلى الله إلا طريقه هو.

·         "هزي جذع هذه اللحظة...تساقط عليك موتًا سخيًا" مريم العراقية

·         لم أكن مستعدة للتخلي عن السدادات. اكتشفت أن الحياة اليومية تصبح أكثر رحمة، وأقل عنفًا وعبثًا، عندما تشبه مشاهد الأفلام الصامتة. لكن حتى صوت شهيقي وزفيري كان يؤرقني أحيانًا وأنا أحاول النوم. كنت أتمنى لو تسكت رئتاي ويكف قلبي عن الدمدمة.

·         تختلط البدايات والنهايات. كل يبكي على عراقه السعيد.

·         كل ما أريده هو أن أعيش في مكان أكون فيه مثل الآخرين. أمشي وأخرج وأدخل ولا يشار إلي أو يتم تذكيري بأني مختلفة.

·         حذرني يوسف أكثر من مرة بأن الهجرة والسكن في بلاد أغلبيتها من المسيحيين لن يكون بلا مشاكل وصعوبات، ولا يعني أنني لن أشعر بأني أقلية هناك أيضًا. قال إنني سأتعرض للعنصرية هناك لأنني عربية.

No comments:

Post a Comment